والسّر في ذلك (أنّ كون التخصيص) نحو : لا تكرم النّحاة ، مع العام ، نحو : اكرم العلماء بحسب مدلولي الدّليلين متعارضان ، لأنّ النّحاة مع كونهم من العلماء مسلوب الاكرام ، ولكن بقانون المحاورة ، العام حجّة ما لم يرد مخصّص ، واذا ورد مخصّص ، فهو وارد على العام أن كان قطعيا ، وحاكم أن كان ظنّيا ، فيكون التّخصيص (بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز ارادة العموم ، مع العمل بالخاصّ) ولكن (هذا) الدّليل الحاكم (بيان بلفظه ، للمراد ومفسّر للمراد من العام) أي المحكوم (فهو) أي الحاكم (تخصيص في المعنى بعبارة التفسير) وهذا بخلاف لا تكرم النّحاة ، لأنّه لا يفسّر أكرم العلماء وليس له نظر بل مخصّص له.
والشاهد أنّه لو أنفرد لا تكرم النّحاة كان صحيحا ، ولو لم يكن هناك عام مثل أكرم العلماء ، بخلاف : ما جعل عليكم في الدّين من حرج ، فانّه لو لا أدلة إثبات التكاليف لكان انفراده لغوا.
(ثم) شرع في بيان تفصيل الفرق ، فقال : أنّ (الخاصّ أن كان قطعيّا) دلالته ، نظير حرمة الصّدقة الواجبة على بني هاشم ، أن قام التّواتر على حرمتها كما هو ضرورة مذهبنا لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم انّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصّدقة (١) والعام نحو (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)(٢) وأن كان الجمع المحلّى بال يفيد العموم ، لكنّه ظنّي الدّلالة وأن كان قطعي السّند.
ولذا (تعيّن طرح عموم العام) لأنّ التّواتر يفيد العلم وحجيّته ذاتيّة (وأن كان) الخاصّ (ظنّيا) كما هو الغالب بحسب الدّلالة أيضا (فدار الأمر بين طرحه وطرح العموم) كما اذا دلّ دليل بحرمة الغراب الأسود (٣) ودليل آخر دلّ على حلّيته (ويصلح كلّ منهما) أي العام والخاص (لرفع اليد بمضمونه)
__________________
(١) الوسائل : الجزء ١ ص ـ ٣٤٣ الرواية : ٤.
(٢) التوبة : ٦٠.
(٣) الوسائل : الجزء ١٦ ص ـ ٣٢٩ (الرواية : ٣).