المقام الرّابع (إلى أنّها على قسمين).
القسم (الأوّل : ما يكون) المرجّح امارة مستقلّة ، و (غير معتبر بنفسه) وغير بالغ مرتبة الحجية لعدم الدّليل على اعتباره بحيث لو لم يكن في البين دليل لم يرجع إليه كالاستقراء والاجماع المنقول والشهرة الفتوائية على القول بعدم حجيتهما بالخصوص.
(و) القسم (الثاني : ما يعتبر) ذلك الأمر المستقلّ (بنفسه) وبالغا مرتبة الحجية (بحيث لو لم يكن هناك دليل كان هو المرجع) بمعنى ولو مع عدم ملاحظة الأخبار العلاجيّة يكون الكتاب أو الأصل العملي دليلا مستقلا ، فلو ورد : يحرم شرب التتن ، وورد أيضا : يحلّ شربه ، فالثاني يرجّح على الأوّل ، لموافقته لظاهر قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ،) أو موافقته للاستصحاب ، ولكن بخلاف المرجّح الدّاخلي فإنّه عبارة عن كلّ مزية غير مستقلّ في نفسه ، بل متقوّم بالخبر ، لا استقلال له في الوجود ، لأنّه أمّا راجع إلى صدور الخبر سواء كان متعلّقا بسنده كالوثاقة ، أو بمتنه كالأفصحيّة ، أو يراجع إلى وجه الصدور من التقية ونحوها ، أو راجع إلى مضمونه كالنقل باللّفظ ، والنقل بالمعنى ، فانّ الراوي إذا كان ديدنه وعادته على النقل باللّفظ فهو أقوى صدورا من الناقل بالمعنى ، وأمّا ما يكون غير معتبر لوجود الدّليل على عدم اعتباره كالقياس ونحوه ، فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وبالجملة : المرجّح الدّاخلي هو ما يرجّح الدليليّة بحيث يكون الدليل الدّال على الحجية والدليليّة أقوى (فمن الأوّل) أي ممّا يكون غير معتبر بنفسه (شهرة أحد الخبرين أما من حيث روايته بأن اشتهر روايته بين الرواة) ولما كانت
__________________
ـ تتمة الهامش من الصفحة ٣٤٩
طيّ مقامات ، الأوّل في بيان المرجّحات الدلالية فقد مضى ، والثاني في بيان المرجّحات الداخلية وقد مضى أيضا فالمقام الثالث الباقي في بيان المرجّحات الخارجية.