(فالمتعارضان لا يصير أن من قبيل الواجبين المتزاحمين) كاطفاء الحريقين ، وانقاذ الغريقين ، ونحوهما (للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معا) إذ : المفروض ، اشتمال كل من المتعارضين ـ قد اخبر أحدهما بوجوب صلاة الجمعة ، والآخر بحرمتها مثلا ـ على شرائط الحجية المأخوذة من دليل اعتبارهما على نحو اشتمال الآخر عليها بحيث لو لا العلم بكذب أحدهما الناشئ من تنافي مدلولهما لكان كل منهما حجة فعلية على خصوص مؤداه.
لكن العلم بكذب أحدهما غير المعين يمنع من حجية كليهما معا لاستلزامها العمل بالطريق المعلوم كذبه ، ولا يعقل التعبد بطريقيّة ما علم مخالفته للواقع ، إذ : لا بد من كون الطريق المتعبد به على وجه يمكن الوصول إلى الواقع في نظر المكلف ، ومع علمه المفروض يمنع عنده التوصل إليه ، فيكون تعبده بهذا الطريق ، وذاك الطريق آئلا حينئذ إلى التناقض في نظره ، لفرض ارادته الواقع منه ، المخالف لمؤدى ذلك المتعبد به.
وحينئذ فيقبح التعبد بكلا الطريقين المتعارضين معا (لأن احدهما) أي أحد الطريقين (مخالف للواقع قطعا) فان جواز العمل بقول أهل الخبرة عند العقلاء ، مقيد بعدم معارضته بمثله ، إذ : المعارضة توجب القطع بمخالفة احدهما للواقع (فلا يكونان طريقين إلى الواقع ، ولو) وصلية لا شرطية (فرض محالا امكان العمل بهما) وتمكن المكلف من العمل بكليهما معا (كما يعلم ارادته) أي ارادة العمل بهما (لكل من المتزاحمين في نفسه على تقدير امكان الجمع) بحيث ان كان المكلف قادرا على انقاذهما فوجب عليه ذلك.
(مثلا : لو فرضنا أن الشارع لاحظ كون الخبر غالب الايصال إلى الواقع) لأن في العمل بقول العادل مصلحة غالبة لمطابقته للواقع في اكثر الأوقات (فامر) الشارع (بالعمل به) أي بالخبر العادل (في جميع الموارد) كما أن القياس بعض أقسامه يحرم العمل به لأن ما يفسده أكثر مما يصلحه ، ولذا منعوا من العمل به