قال : « ولهذا جاز العمل بالمكاتبة في الرواية وأخذ المسألة والعلم والحديث من الكتاب المصحح عند الشيخ المعتمد ، ولأنه قد يحصل منها ظن أقوى من الظن الحاصل من الشاهدين ، بل يحصل منها الظن المتآخم للعلم ، بل العلم مع الأمن من التزوير ، وأنه كتب قاصدا للمدلول ، وحينئذ يكون مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأن القاضي الفلاني الذي حكمه مقبول حكم بكذا ، فإنه يجب إنفاذه وإجراؤه من غير توقف ؛ ويكون ذلك مقصود ابن الجنيد ، ويمكن أن لا ينازعه فيه أحد ، بل يكون مقصودهم الصورة التي لم يأمن فيها التزوير أو لم يعلم قصد الكاتب إرادة مدلول الرسم ».
قلت : التحقيق أن الكتابة من حيث إنها كتابة لا دليل على حجيتها قطعا مطلقا في إقرار وغيره ، بل عن ابن إدريس في نوادر القضاء التصريح بأنه لا يجوز للمستفتي أن يرجع إلا إلى قول المفتي دون ما يجده بخطه إلى أن قال : « بغير خلاف من محصل ضابط لأصول الفقه » وبني على ذلك عدم حجية المكاتبة ، قال : « لأن الراوي للكتابة ما سمع الامام يقول ، ولا شهد عنده شهود أنه قال » وإن كان فيه ما ستعرف.
نعم إذا قامت القرائن الحالية وغيرها على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها ، للسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار على ذلك ، بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك ، خصوصا مع ملاحظة عمل العلماء في نسبتهم الخلاف والوفاق ونقلهم الإجماع وغيره في كتبهم المعمول عليها بين العلماء ، ودعوى أن ذلك كله من جهة فتح باب الظن في الأحكام الشرعية وموضوعاتها واضحة الفساد ، ضرورة كون السيرة المزبورة على الأعم من ذلك ، كالوكالة والإقرار والوصايا والأوقاف وتصنيفهم كتب الفتوى للأطراف وعمل الناس بها