ثم رجع المفتي عن ذلك لم يبطل نكاحه وإن كان لا يجوز له تزويج امرأة أخرى كذلك إذا كان مقلدا له في ذلك ، لأن العقد المقتضى دوام النكاح قد وقع بالفتوى الأولى التي لم يعلم بطلانها ، فآثار حكم العقد باقية على حالها ، للأصل وغيره إلا إذا تعقبه حكم بالفسخ ، لما عرفت من نقض الفتوى به.
وهكذا كل ما كان من هذا القبيل من الأسباب المستقلة بدليل على لزومها بمجرد عدم العلم بفسادها ، فتبقى حينئذ على ذلك وإن تغير رأي المجتهد ، فإنه لا دليل على الفسخ به ، بل حاصل الأدلة خلافه كما يبقى على قاعدة الإجزاء مثل الصلاة والغسل والوضوء.
بل قد يقال : إن غسل النجاسة أيضا كذلك وإن كان لا يخلو من نظر وبحث ، ضرورة عدم مقتض للدوام فيه ، بل هو تابع لظن المجتهد ما دام باقيا ، فلو غسل مثلا شيئا بالماء القليل الملاقي للنجاسة بفتوى عدم تنجسه بذلك ثم تغير رأيه وجب تجديد الغسل ، لأن طهارة المغسول به مقيدة بما دام ظن المجتهد كذلك ، فهو حينئذ كالماء نفسه وهكذا. بل قد يقال في نحو الوضوء به بوجوب تطهير اليد وإن قلنا بصحة الوضوء به ، اللهم إلا أن يمنع ذلك لقاعدة العسر والحرج ، خصوصا فيما لو بنى به مثلا مسجدا ونحوه إلا أن ذلك كما ترى.
أما الفتوى بطهارة شيء للأصل مثلا ثم تغير رأيه إلى النجاسة فلا إشكال في وجوب اجتنابه عليه ، لعدم استناد الطهارة المفتي بها أولا إلى سبب يقتضي بقاءها.
وما عن العميدي من الإجماع على النقض في نحو نكاح المرتضعة لم نتحققه ، بل لعله على العكس ، كما هو مقتضى السيرة مضافا إلى ما عرفت ، وحينئذ فالمراد بنقضها في نحو الفرض بطلان العمل بها في جميع المتجدد من أفرادها ، وأما ما وقع فلا نقض فيه.