ثمّ خاطب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بما فيه شوب العتاب في إذنه لمّا استأذنوه في التأخّر عن الخروج معه إلى تبوك ، فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) هو من لطيف المعاتبة فيما غيره منه أولى ، لا سيّما للأنبياء. وقد أخطأ جار الله (١) في أن (عَفَا اللهُ عَنْكَ) كناية عن الجناية والخطأ ، ومعناه : أخطأت وبئس ما فعلت جانيا. وحاشا سيّد الأنبياء وخير المرسلين أن ينسب إليه جناية وخطأ وسوء فعل ، لثبوت عصمته بالأدلّة العقليّة المانعة عن الجناية والخطأ. وقيل : معناه : أدام الله لك العفو.
(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بيان لما كنّي عنه بالعفو من ترك الأولى. والمعنى : لأيّ شيء أذنت لهم في القعود والتخلّف عنك حين استأذنوك واعتلّوا بأكاذيب؟! وهلّا توقّفت! (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في الاعتذار (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) فيه ، فإنّه أولى من إذنك في التخلّف.
قيل : إنّما فعل رسول الله شيئين والحال أنّ تركهما أولى وأحسن : أخذه الفداء ، وإذنه للمنافقين ، فعاتبه تعالى عليهما ليلتزم بما هو أولى في الأمور.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥))
ثمّ بيّن سبحانه حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان ، فقال : (لا يَسْتَأْذِنُكَ) لا يطلب منك الإذن في العقود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي : ليس من
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٢٧٤.