ملك الدنيا ونعيمها ، علم أنّ ذلك لا يبقى له ولا يدوم ، فطلب من الله سبحانه نعيما لا يفنى ، وتاقت نفسه إلى الجنّة ، فتمنّى الموت ودعا به ، ولم يتمنّ ذلك من قبله ولا بعده أحد من الأنبياء ، فقال : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) بعض ملك الدنيا ، وهو ملك مصر (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) الكتب أو الرؤيا. و «من» أيضا للتبعيض ، لأنّه لم يؤت كلّ التأويل.
(فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما. وانتصابه على أنّه صفة المنادى ، أو منادى برأسه. (أَنْتَ وَلِيِّي) ناصري ، أو متولّي أمري (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أو الّذي يتولّاني بالنعمة فيهما (تَوَفَّنِي) اقبضني عند انقضاء أجلي (مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِيبِالصَّالِحِينَ) من آبائي ، أو بعامّة الصالحين في الرتبة والكرامة.
روي أنّ يوسف لمّا توفّاه الله طيّبا طاهرا تخاصم أهل مصر في مدفنه حتّى همّوا بالقتال ، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمرّ عليه الماء ، ثمّ يصل إلى مصر ، ليكونوا شرعا فيه. ثمّ نقله موسى عليهالسلام إلى مدفن آبائه. وقد ولد له من راعيل ميشا وأفرائيم. وهو جدّ يوشع بن نون ورحمة امرأة أيّوب عليهالسلام.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢))
(ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف. والخطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو مبتدأ ، وقوله : (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) خبران له. وقوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) لدى إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) كالدليل على هذين الخبرين.
والمعنى : أنّ هذا النبأ غيب لم تعرفه إلّا بوحي ، لأنّك لم تحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما همّوا به من أن يجعلوه في غيابة الجبّ ، وهم يمكرون به وبأبيه