الله من جنس المخلوقات ، شبيها بها ، فأنكر عليهم ذلك بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ، أي : أجعلتموه من جنس المخلوقات العجزة وشبّهتموه بها؟
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أفلا تتذكّرون أيّها المشركون ، فتعرفوا فساد ذلك؟! فإنّه لجلائه كالّذي حصل عند العقل بأدنى تذكّر والتفات.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨))
ولمّا عدّد النعم وألزم الحجّة على تفرّده باستحقاق العبادة ، نبّه العباد على أنّ ما وراء ما عدّد نعما لا تنحصر ، فحقّ عبادته غير مقدور ، فقال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) وإن أردتم تعداد نعم الله عليكم ومعرفة تفاصيلها (لا تُحْصُوها) لا تضبطوا عددها ، ولم يمكنكم إقصاؤها ، ولا تبلغه طاقتكم ، فضلا أن تطيقوا القيام بشكرها (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها (رَحِيمٌ) لا يقطعها لتفريطكم فيه ، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩))
ولمّا قدّم سبحانه الدعاء إلى عبادته بذكر نعمه وكمال قدرته ، عقّبه ببيان علمه بسريرة كلّ أحد وعلانيته ، فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) من عقائدكم وأعمالكم ، فيجازيكم على حسبهما ، إذ لا يخفى عليه الجليّ والخفيّ من أحوالكم. وهذا وعيد للكافر الكفور ، وتزييف للشرك باعتبار العلم.
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١))