وقيل : الحكمة هي القرآن. وسمّي حكمة لأنّه يتضمّن الأمر بالحسن ، والنهي عن القبيح. وأصل الحكمة المنع ، ومنه حكمة اللجام. والموعظة الحسنة : هي الصرف عن القبيح ، على وجه الترغيب في تركه ، والتزهيد في فعله. وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع.
(وَجادِلْهُمْ) وجادل معانديهم (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بالطريقة الّتي هي أحسن طرق المجادلة ، من الرفق واللين من غير فظاظة وتعنيف ، وإيثار الوجه الأيسر فالأيسر ، والمقدّمات الّتي هي أشهر ، فإنّ ذلك أنفع في تسكين لهبهم وتليين شغبهم.
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة ، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل ، فكأنّك تضرب منه في حديد بارد. وإنّما عليك البلاغ والدعوة ، وأمّا حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا إليك ، بل الله أعلم بالضالّين والمهتدين ، وهو المجازي لهم.
(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦))
ولمّا بيّن أمره بالدعوة وعلّمه طرقها ، أشار إليه وإلى من يتابعه بمراعاة العدل مع من يناصبهم ، فإن الدعوة لا تنفكّ عنه ، من حيث إنّها تتضمّن رفض العادات وترك الشهوات ، والقدح في دين الأسلاف ، والحكم عليهم بالكفر والضلال ، فقال : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) أي : أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ولا تزيدوا عليه.
وقيل : كان المشركون مثّلوا بقتلى أحد ، وبقروا بطونهم ، وقطعوا مذاكيرهم ،