ردّ لكلامهم ، وإثبات لضدّه (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) مقدّمون إلى النار ، من : أفرطته في طلب الماء إذا قدّمته. وقرأ نافع بكسر الراء ، على أنّه من الإفراط في المعاصي.
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فأصرّوا على قبائحها ، وكفروا بالمرسلين (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) أي : قرينهم وناصرهم في الدنيا.
عبّر باليوم عن زمانها. أو فهو وليّهم حين كان يزيّن لهم. أو يوم القيامة ، على أنّه حكاية حال ماضية ، كأن يزيّن لهم الشيطان أعمالهم فيها ، أو حال آتية ، وهي حال كونهم معذّبين في النار ، أي : فهو ناصرهم اليوم ولا ناصر لهم غيره ، فيكون نفيا للناصر لهم على أبلغ الوجوه. ويجوز أن يكون الضمير لقريش ، أي : زيّن الشيطان للكفرة المتقدّمين أعمالهم ، فهو وليّ هؤلاء اليوم ، فيغرّهم ويغويهم ، وأن يقدّر مضاف ، أي : فهو وليّ أمثالهم. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في القيامة.
(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥))
ثمّ بيّن سبحانه أنّه قد أقام الحجّة وأزاح العلّة وأوضح الحقّ ، فقال : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) للناس (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) من التوحيد ، وأحوال المعاد ، وأحكام الحلال والحرام (وَهُدىً) ودلالة على الحقّ (وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). وهما معطوفان على محلّ «لتبيّن» ، إلّا أنّهما انتصبا على أنّهما مفعول لهما ، لأنّهما فعلا الّذي أنزل الكتاب. ودخل اللام على «لتبيّن» لأنّه فعل المخاطب.
وإنّما ينتصب مفعولا له ما كان فعل فاعل الفعل المعلّل.