يقاربه كلام البشر ولا يدانيه. منها : أنّه خرج مخرج الأمر ، وإن كانت الأرض والسماء من الجماد ، ليكون أدلّ على الاقتدار. ومنها : حسن تقابل المعنى وائتلاف الألفاظ. ومنها : حسن البيان في تصوير الحال. ومنها : الإيجاز من غير إخلال ، إلى غير ذلك ممّا يعلمه من تدبّره ، وله معرفة بكلام العرب ومحاوراتهم. ويروى أنّ كفّار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن فعكفوا على لباب البرّ ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوما لتصفوا أذهانهم ، فلمّا أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية ، فقال بعضهم لبعض : هذا الكلام لا يشبه كلام المخلوقين ، وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا» (١).
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧))
ثمّ حكى الله سبحانه تمام قصّة نوح ، فقال : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) أي : أراد نداءه ، بدليل عطف قوله : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) فإنّه النداء (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) وإن كلّ وعد تعده حقّ لا يتطرّق إليه الخلف ، وقد وعدت أن تنجي أهلي ،
__________________
(١) مجمع البيان ٥ : ١٦٥.