من كلّ ثلاثة تفرّدوا بقرية طائفة إلى التفقّه ، لتنذر فرقتها كي يتذكّروا ويحذروا ، فلو لم يعتبر الإخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك.
قال في الكشّاف (١) : وللآية معنى آخر ، وهو أنّه لمّا نزل في المتخلّفين ما نزل استبق المؤمنون إلى النفير ، وانقطعوا جميعا عن التفقّه واستماع الوحي ، فأمروا أن ينفر من كلّ فرقة طائفة إلى الجهاد ، ويبقى أعقابهم يتفقّهون حتّى لا ينقطعوا عن التفقّه الّذي هو الجهاد الأكبر ، لأنّ الجدال بالحجّة هو الأصل والمقصود من البعثة.
ويكون الضمير في «ليتفقّهوا» و «لينذروا» لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو ، وفي «رجعوا» للطوائف ، أي : ولينذر البواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصّلوا في أيّام غيبتهم من العلوم. وعلى الأوّل الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقّه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥))
ثمّ بيّن سبحانه ما يجب تقديمه في القتال والقتل ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) يقربون منكم (مِنَ الْكُفَّارِ) فإنّ القتال وإن كان واجبا مع
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٣٢٣.