وقيل : الاستثناء منقطع ، أي : ولكن رحمة ربّي هي الّتي تصرف الإساءة.
وقيل : الآية حكاية قول راعيل ، والمستثنى نفس يوسف وأضرابه. والمعنى : ذلك الّذي قلت من براءة ساحة يوسف ، وإسناد المراودة إلى نفسي ، ليعلم يوسف أنّي لم أكذب عليه في حال الغيبة ، وصدقت فيما سئلت عنه ، وما أبرّئ نفسي من الخيانة ، فإنّي خنته حين قذفته وقلت : «ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلّا أن يسجن». ثمّ قالت اعتذارا ممّا كان منها : إنّ كلّ نفس لأمّارة بالسوء إلّا نفسا رحمها الله بالعصمة ، كنفس يوسف.
(إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر همم النفوس ، ويرحم من يشاء بالعصمة. وعلى القول الأخير : يغفر للمستغفر لذنبه ، المعترف على نفسه ، ويرحمه ما استرحمه ممّا ارتكبه. والقول الأوّل أشهر ، والثاني أجود.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ) أجعله خالصا (لِنَفْسِي) وأرجع إليه في تدبير مملكتي (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) فلمّا أتوا به وكلّمه ، وشاهد منه الرشد وذكاء العقل وفطانة الفهم (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) ذو مكانة ومنزلة (أَمِينٌ)