ثمّ قال : (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) لا يعلمهم إلّا الله المطّلع على البواطن ، لأنّهم يبطنون الكفر في ضمائرهم ، ويظهرون لك الايمان وظاهر الإخلاص الّذي لا تشكّ في أمرهم ، فهم وإن لبسوا عليك لكن لم يقدروا أن يلبسوا علينا.
(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) بالفضيحة والقتل على أيدي الملائكة ، أو بأحدهما وعذاب القبر ، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان.
عن ابن عبّاس أنّهم اختلفوا في هاتين المرّتين فقال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيبا يوم الجمعة ، فقال : اخرج يا فلان فإنّك منافق ، اخرج يا فلان فإنّك منافق ، وأخرج ناسا وفضحهم ، فهذا العذاب الأوّل ، والثاني عذاب القبر.
(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) هو عذاب النار.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢))
روي أنّ ثلاثة من المتخلّفين وهم : أبو لبابة مروان بن عبد المنذر وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام ، أو عشرة ، وقيل : سبعة منهم هؤلاء الثلاثة ، لمّا سمعوا ما نزل في المتخلّفين عن تبوك أيقنوا بالهلاك ، وأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد توبة وندما على فعلهم ، وكان سبب تأخّرهم اشتغالهم بإصلاح أموالهم. فقدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فدخل المسجد فصلّى ركعتين ، وكانت عادته كلّما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم ، فذكر له أنّهم أقسموا أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الّذي يحلّهم. فقال : وأنا أقسم أن لا أحلّهم حتّى اومر فيهم ، فنزلت :
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) ولم يعتذروا من تخلّفهم بالمعاذير الكاذبة (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) أي : خلطوا العمل الصالح الّذي هو إظهار الندم والاعتراف بالذنب ، بآخر سيّء هو التخلّف وموافقة أهل النفاق. والواو إما بمعنى الباء ، كما في قولهم : بعت الشاء شاة ودرهما ، أي : بدرهم ، أو واقعة بمعناه الأصلي