لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ، عبرة ونكالا عن الطغيان ، فلا يجترأ على نحو ما اجترأت عليه. أو حجّة تدلّهم على أنّ الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظانّ الربوبيّة ، فما الظنّ بغيره؟! (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) لا يتفكّرون فيها ، ولا يعتبرون بها.
(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))
ثمّ بيّن سبحانه حال بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون ، فقال : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا) أنزلنا (بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) منزلا صالحا مرضيّا. وهو الشام ومصر.
(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من اللذائذ (فَمَا اخْتَلَفُوا) في أمر دينهم ، وما تشعّبوا فيه شعبا (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) إلّا من بعد ما قرءوا التوراة وعلموا أحكامها. أو في أمر محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فيميز المحقّ من المبطل بالإنجاء والإهلاك.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ