(قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧))
(قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا) أي : لا تفتأ ولا تزال (تَذْكُرُ يُوسُفَ) تفجّعا عليه.
فحذف «لا» ، كما في قول امرئ القيس (١) ـ حين ذهب ذات ليلة إلى قصر بنت قيصر ملك الروم ، فقالت : حضرت الرقباء ، ولم يتيسّر الوصال ـ :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي |
لأنّه لا يلتبس بالإثبات ، فإنّ القسم إذا لم تكن معه علامة الإثبات كان على النفي ، ولو كان إثباتا لم يكن بدّ من اللام والنون.
(حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) مريضا مشرفا على الهلاك. وقيل : الحرض الّذي أذابه همّ أو مرض. وهو في الأصل مصدر ، ولذلك لا يؤنّث ولا يجمع. والنعت بالكسر ، كدنف ودنف. وهو المرض الّذي لا يرجى زواله. (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) من الميّتين.
قيل : دخل على يعقوب جار له فقال : يا يعقوب قد تهشّمت وفنيت ، وبلغت من السنّ ما بلغ أبوك. فقال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف.
فأوحى الله إليه : يا يعقوب ، أتشكوني إلى خلقي؟ قال : يا ربّ خطيئة أخطأتها فاغفر لي. فكان بعد ذلك إذا سئل (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) همّي الّذي لا أقدر الصبر
__________________
(١) ديوان امرئ القيس : ١٤١.