المصيبة إلّا أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ).
(وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ) لكثرة بكائه (مِنَ الْحُزْنِ) والغمّ الشديد ، فكأنّ العبرة محقت سواد العين ، وقلبته إلى بياض كدر. وقيل : ضعف بصره ، وكان لا يرى إلا رؤية ضعيفة. وقيل : إنّه عمي ستّ سنين. وروي : ما جفّت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما ، وما على الأرض أكرم على الله من يعقوب.
قيل اشترى يعقوب يوما جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتّى عميت ، ولأجل ذلك ابيضّت عيناه من كثرة البكاء في فراق يوسف.
وفيه دليل على جواز التأسّف والبكاء عند التفجّع. ولعلّ أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف ، فإنّه قلّ من يملك نفسه عند الشدائد ، ولقد بكى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ولده إبراهيم وقال : القلب يجزع ، والعين تدمع ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون.
(فَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء من الغيظ على أولاده ، ممسك له في قلبه ، ولا يظهره.
فعيل بمعنى مفعول ، كقوله تعالى : (وَهُوَ مَكْظُومٌ) (١). من : كظم السقاء إذا شدّه على ملئه. أو بمعنى فاعل ، كقوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (٢). من : كظم الغيظ إذا اجترعه.
وأصله : كظم البعير جرّته (٣) إذا ردّها في جوفه.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «أنّه سأل جبرئيل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ قال : وجد سبعين ثكلى.
قال : فما كان له من الأجر؟ قال : أجر مائة شهيد ، وما ساء ظنّه بالله ساعة قطّ».
__________________
(١) القلم : ٤٨.
(٢) آل عمران : ١٣٤.
(٣) الجرّة : ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه.