وشقاقهم واستكبارهم عن قبول الحقّ. يعني : أنّهم أشركوا بالله ، وحرّموا ما أحلّ الله من البحيرة والسائبة وغيرهما ، ثمّ نسبوا فعلهم إلى الله وقالوا : لو شاء لم نفعل. وهذا مذهب المجبّرة بعينه.
(كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فأشركوا بالله ، وحرّموا حلّه ، وردّوا رسله.
ثمّ أنكر سبحانه هذا القول عليهم ، فقال : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) إلّا أن يبلغوا الحقّ بالبرهان والبيان ، ويطلعوهم على بطلان الشرك وقبحه ، وأنّ الله لا يشاء الشرك والمعاصي منهم ، وعلى براءة الله من أفعال العباد ، وأنّهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم ، والله باعثهم على جميلها ، وموفّقهم وزاجرهم عن قبيحها ، وموعدهم عليه.
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦))
ثمّ بيّن أنّ بعثة الرسل أمر جرت به السنّة الإلهيّة في الأمم كلّها ، سببا لهداية من استرشد واستهدى ، وزيادة لضلالة من عاند واستهوى ، كالغذاء الصالح ، فإنّه ينفع المزاج السويّ ويقوّيه ، ويضرّ المنحرف ويفنيه ، فقال : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ) في كلّ جماعة وقرن (رَسُولاً) كما بعثناك على أمّتك (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) ليقول لهم : اعبدوا الله (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي : عبادة الشيطان وكلّ داع يدعو إلى الضلالة.