عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، فإنّ الخلّص منهم يبادرون إليه ولا يوقفونه على الإذن فيه ، فضلا أن يستأذنوك في التخلّف عنه ، أو أن يستأذنوك في التخلّف كراهة أن يجاهدوا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) شهادة لهم بالانتظام في زمرة أهل التقوى ، وعدة لهم بأجزل الثواب.
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التخلّف (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر في الموضعين ، للإشعار بأنّ الباعث على الجهاد والمانع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما (وَارْتابَتْ) واضطربت وشكّت (قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ) في شكّهم (يَتَرَدَّدُونَ) يتحيّرون ، فإنّ التردّد صفة المتحيّر ، كما أنّ الثبات صفة المستبصر. والمراد منهم المنافقون.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))
ثمّ أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين ، فقال : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) إلى الجهاد (لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج (عُدَّةً) أهبة (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) نهوضهم للخروج إلى الغزو ، لعلمه تعالى بأنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين (فَثَبَّطَهُمْ) فحبسهم بالجبن والكسل وخذلهم ، لما علم منهم من الفساد.
وإنّما وقع الاستدراك بـ «لكن» لأنّ قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) يعطي معنى النفي ، وكأنّه قيل : ما خرجوا ولكن تثبّطوا عن الخروج ، لأنّ الله كره انبعاثهم ، فضعفت رغبتهم في الانبعاث.
(وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) النساء والصبيان والزمنى. هذا ذمّ لهم وتعجيز ، وهو إذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم في القعود ، أو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم.