اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))
ثمّ بيّن صفاته الكماليّة المنضمّة لاستحقاقه العبوديّة لا غير ، المقتضية للحكم والمصالح والتدابير الّتي من جملتها إعطاء النبوّة لمن يليق بحاله ، فقال : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الّتي هي اصول الممكنات (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مع قدرته على إنشائهما دفعة واحدة. والوجه في ذلك دلالة صريحة على أنّه قادر مختار لا موجب ، وتعليما لعباده التأنّي في الأمور. وفي الحديث : «التأنّي من الرحمن ، والعجلة من الشيطان».
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) مرّ تفسيره مرارا (١) (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقدّر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ، ويهيّء بتحريكه أسبابها وينزلها منه. والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) تقرير لعظمته وعزّ جلاله ، وردّ على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله.
وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له.
(ذلِكُمُ) أي : الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهيّة والربوبيّة (اللهُ رَبُّكُمْ) لا غير ، إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك (فَاعْبُدُوهُ) وحّدوه بالعبادة ، ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان ، فضلا عن جماد لا يضرّ ولا ينفع (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتفكّرون أدنى تفكّر ، فينبّهكم على أنّه المستحقّ للربوبيّة والعبادة لا ما تعبدونه.
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) في العاقبة بالموت أو النشور ، لا إلى غيره ، فاستعدّوا للقائه (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكّد لنفسه ، لأنّ قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) وعد من الله تعالى (حَقًّا) مصدر آخر مؤكّد لغيره ، وهو ما دلّ عليه وعد الله عزوجل.
(إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد بدئه وإهلاكه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
__________________
(١) راجع ج ٢ / ٥٣١.