(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨))
ثمّ ذكر سبحانه دلالات التوحيد ردّا عليهم ، فقال : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) اثني عشر تسير الشمس والقمر فيها ، مختلفة الهيئات والخواصّ (وَزَيَّنَّاها) بالأشكال الحسنة والهيئات البهيّة من الكواكب المنيرة (لِلنَّاظِرِينَ) المعتبرين المستدلّين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها.
(وَحَفِظْناها) وحفظنا السماء (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) مرجوم مرميّ بالشهب ، أو ملعون مشؤوم ، فلا يقدر أن يصعد إليها ، ويوسوس أهلها ، ويتصرّف في أمرها ، ويطّلع على أحوالها. وحفظ الشيء جعله على ما ينفي عنه الضياع. فمن ذلك حفظ القرآن بدرسه حتّى لا ينسى. وحفظ المال إحرازه حتّى لا يضيع. وحفظ السماء من الشيطان بالمنع حتّى لا يدخلها ، ولا يبلغ إلى موضع يتمكّن فيه من استراق السمع ، لما أعدّ له من الشهاب ، كما قال جلّ وعزّ : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) بدل (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ).
واستراق السمع اختلاسه سرّا. شبّه به خطفتهم اليسيرة من قطّان السماوات ، لما بينهم من المناسبة في الجوهر ، أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها ليخبروا بها الكهنة.
وعن ابن عباس : أنّه كان في الجاهليّة كهنة ، ومع كلّ واحد شيطان ، فكان يقعد من السماء مقاعد للسمع ، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض ، فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشيه الكاهن إلى الناس ، فلمّا ولد عيسى عليهالسلام منعوا من ثلاث