ثمّ دلّ على وحدانيّته بما ذكر ممّا لا يقدر عليه غيره ، من خلق السماوات والأرض ، وخلق الإنسان وما يصلحه ، وما لا بدّله منه من خلق البهائم ، فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة ، قدّرها وخصّصها بحكمته (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) منهما ، أو ممّا يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما ، ممّا لا يقدر على خلقهما.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) جماد لا حسّ بها ولا حراك ، سيّالة لا تحفظ الوضع والشكل (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) منطيق ، مجادل ، مكافح للخصوم (مُبِينٌ) للحجّة بعد ما كان نطفة من منيّ ، جمادا لا حسّ به ولا حركة. أو خصيم لربّه ، منكر على خالقه ، قائل : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (١) ، وصفا للإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل ، والتمادي في كفران النعمة.
وقيل : نزلت في أبيّ بن خلف ، أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعظم رميم وقال : يا محمّد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ (٢)؟
(وَالْأَنْعامَ) الإبل والبقر والغنم. وانتصابها بمضمر يفسّره (خَلَقَها لَكُمْ). أو بالعطف على الإنسان. و «خلقها لكم» بيان ما خلقت لأجله ، وما بعده تفصيل له.
وهو قوله : (فِيها دِفْءٌ) ما يدفأ به من لباس معمول من الصوف والشعر ـ كـ : ملء ، اسم ما يملأ به ـ فيقي البرد.
__________________
(١) يس : ٧٨.
(٢) رمّ العظم : بلي.