ليرسله معهم ، ومن المعلوم الّذي لا يخفى على مكذّبيك أنّك ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلّمته منه. وإنّما حذف هذا الشقّ استغناء بذكره في غير هذه القصّة ، كقوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) (١). وهذا تهكّم بقريش وبمن كذّبوه.
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))
ولمّا تقدّم ذكر الآيات والمعجزات الّتي لو تفكّروا فيها عرفوا الحقّ من جهتها فلم يتفكّروا ، بيّن عقيبها أنّ التقصير من جهتهم حيث رضوا بالجهل ، وليس من جهته سبحانه ، لأنّه نصب الأدلّة والبيّنات ، ولا من جهتك ، لأنّك دعوتهم ، فقال : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) يريد العموم. وعن ابن عبّاس : أراد أهل مكّة. (وَلَوْ حَرَصْتَ) على إيمانهم ، وبالغت في إظهار الآيات عليهم (بِمُؤْمِنِينَ) لعنادهم ، وتصميمهم على الكفر. والشرطيّة معترضة.
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) على الأنباء ، أو القرآن (مِنْ أَجْرٍ) جعل ، كما يعطى حملة الأخبار ، فيصدّهم ذلك عن الإيمان ، فأعذارهم منقطعة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) عظة
__________________
(١) هود : ٤٩.