كارِهُونَ) تكرهونها ولا تختارونها ، ولا تتأمّلون فيها. وحيث اجتمع ضميران ، وليس أحدهما مرفوعا ، وقدّم الأعرف منهما ، جاز في الثاني الفصل والوصل.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١))
ثمّ أنكر نوح على قومه استثقالهم التكليف ، والعاقل إنّما يستثقل الأمر إذا لزمته مؤونة ثقله ، فقطع عليهالسلام هذا العذر بقوله : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ. وهو وإن لم يذكر إلّا أنّه معلوم ممّا ذكر. (مالاً) جعلا (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فإنّه المأمول منه.
قيل : إنّهم كانوا يسألونه طرد المؤمنين ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء. فقال نوح في جوابهم : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) فيخاصمون طاردهم عنده تعالى. أو إنّهم يلاقونه ويفوزون بقربه ، فكيف أطردهم؟! (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) بلقاء ربّكم ، أو بأقدارهم وأنّهم خير منكم ، أو في التماس طردهم ، أو تتسفّهون عليهم ، بأن تدعوهم أراذل.
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) من يمنعني من انتقام الله وعذابه (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) وهم بتلك الصفة والمثابة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتعرفوا أنّ التماس الطرد وتوقيف الايمان عليه ليس بصواب ، بل محض خطأ.