(فَقالَ الْمَلَأُ) أي : الأشراف ، لأنّهم يملؤن القلوب هيبة وهيئة (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) لا مزيّة لك علينا تخصّك بالنبوّة ووجوب الإطاعة ، وذلك لظنّهم أنّ الرسول ينبغي أن يكون من غير جنس المرسل إليه (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) أخسّاؤنا. جمع أرذل ، فإنّه بالغلبة صار مثل الاسم ، كالأكبر. أو أرذل جمع رذل. (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهر الفكر من غير تعمّق ، من البدوّ بمعنى الظهور ، أو أوّل الرأي من البدء. والباء مبدلة من الهمزة ، لانكسار ما قبلها.
وقرأ أبو عمرو بالهمزة. وانتصابه بالظرف ، على حذف المضاف ، أي : وقت حدوث بادي الرأي. والعامل فيه «اتّبعك».
وإنّما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم ، فإنّهم لمّا لم يعلموا إلّا ظاهرا من الحياة الدنيا ، كان الأحظّ بها أشرف عندهم ، والمحروم منها أرذل ، كما ترى أكثر المتّسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ، ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم. ولقد زلّ عنهم أنّ التقدّم في الدنيا لا يقرّب أحدا من الله ، وإنّما يبعّده ، ولا يرفعه بل يضعه ، فضلا عن أن يجعله سببا في الاختيار للنبوّة والتأهيل لها ، على أنّ الأنبياء بعثوا مرغّبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا ، مزهّدين فيها ، مصغّرين لشأنها وشأن من أخلد إليها.
(وَما نَرى لَكُمْ) لك ولمن اتّبعك (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يؤهّلكم للنبوّة واستحقاق المتابعة (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) إيّاك في دعوى النبوّة ، وإيّاهم في دعوى العلم بصدقك ، فغلّب المخاطب على الغائبين.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) حجّة شاهدة بصحّة دعواي (مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) بإيتاء المعجزة البيّنة ، أو النبوّة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) فخفيت عليكم ، فلم تهدكم. وتوحيد الضمير لأنّ البيّنة في نفسها هي الرحمة. أو لأنّ خفاءها يوجب خفاء النبوّة. أو على تقدير : فعميت بعد البيّنة ، وحذفها للاختصار ، أو لأنّه لكلّ واحدة منهما. وقرأ حمزة والكسائي وحفص : فعميت ، أي : أخفيت.
(أَنُلْزِمُكُمُوها) أنلزمكم قبولها ، ونجبركم على الاهتداء بها (وَأَنْتُمْ لَها