فإنّه تعالى قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين ، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر؟! وكان استعجاب إبراهيم باعتبار العادة دون القدرة ، ولذا (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) استفهام إنكاري بمعنى النفي ، أي : لا يقنط البتّة منها (إِلَّا الضَّالُّونَ) أي : المخطئون طريق المعرفة ، فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال علمه وقدرته ، كما قال : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (١). فكأنّه قال : لم استنكر ذلك قنوطا من رحمته ، ولكن استبعادا للعادة الّتي أجراها الله في الخلق. وقرأ أبو عمرو والكسائي : يقنط بالكسر.
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي : فما شأنكم الّذي أرسلتم لأجله سوى البشارة؟ لأنّهم كانوا عددا ، والبشارة لا تحتاج إلى العدد ، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريّا ومريم. أو لأنّهم بشّروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ، ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) يعني : قوم لوط (إِلَّا آلَ لُوطٍ) إن كان استثناء من «قوم» كان منقطعا ، إذ القوم موصوفون بالإجرام ، فاختلف لذلك الجنسان. وإن كان استثناء من الضمير في «مجرمين» كان متّصلا ، والقوم والإرسال شاملين للمجرمين وآل لوط المؤمنين به. وكأنّهم قالوا : إنّا أرسلنا إلى قوم أجرم
__________________
(١) يوسف : ٨٧.