كلّهم إلا آل لوط منهم ، لنهلك المجرمين ، وننجّي آل لوط منهم.
ويدلّ عليه قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) ممّا يعذّب به القوم. وهو استئناف إذا اتّصل الاستثناء ، كأنّ إبراهيم قال لهم : فما حال آل لوط؟ قالوا : إنّا لمنجّوهم.
ومتعلّق بـ «آل لوط» جار مجرى خبر «لكن» إذا انقطع ، لأنّ المعنى : لكن آل لوط منجّون.
وعلى هذا جاز أن يكون قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من آل لوط أو من ضميرهم. وعلى الأوّل لا يكون إلّا من ضميرهم ، لاختلاف الحكمين ، لأنّ آل لوط متعلّق بـ «أرسلنا» أو بـ «مجرمين» ، و «إلّا امرأته» متعلّق بـ «منجّوهم» ، فأنّى يكون استثناء من استثناء؟ فإنّ الاستثناء من الاستثناء إنّما يكون فيما اتّحد الحكم فيه ، بأن يقال : أهلكناهم إلّا آل لوط إلّا امرأته ، كما اتّحد الحكم في قول المطلّق : أنت طالق ثلاثا إلّا ثنتين إلّا واحدة ، وفي قول المقرّ : لفلان عليّ عشرة دراهم إلّا ثلاثة إلّا درهما. اللهمّ إلّا أن يجعل «إنّا لمنجّوهم» اعتراضا. وقرأ حمزة والكسائي : لمنجوهم مخفّفا.
(قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) الباقين مع الكفرة لتهلك معهم. وقرأ أبو بكر عن عاصم : قدرنا ، هنا وفي النمل (١) بالتخفيف. وإنّما علّق فعل التقدير ، والتعليق من خواصّ أفعال القلوب ، لتضمّنه معنى العلم ، ولذلك فسّر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم.
وفي المدارك : «لو لم تكن اللام في خبرها لوجب فتح «إنّ» ، لأنّ «إنّ» مع اسمه وخبره مفعول (قَدَّرْنا) (٢).
ويجوز أن يكون «قدّرنا» أجري مجرى «قلنا» لأنّ التقدير بمعنى القضاء ، وهو بمعنى القول. وأصله جعل الشيء على مقدار غيره.
__________________
(١) النمل : ٥٧.
(٢) مدارك التنزيل للنسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن ٣ : ٩٩.