يوفّينّهم ربّك جزاء أعمالهم.
(إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فلا يفوته شيء منه وإن خفي.
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢))
ولمّا بيّن أمر المختلفين في التوحيد والنبوّة ، وأطنب في شرح الوعد والوعيد ، أمر رسوله بالاستقامة مثل ما أمر بها ، فقال : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أي : فاستقم مثل الاستقامة الّتي أمرت بها ، على جادّة الحقّ ، غير عادل عنها.
وهذه الاستقامة شاملة للاستقامة في العقائد ، كالتوسّط بين التشبيه والتعطيل ، بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين ، وفي الأعمال ، من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزل ، والقيام بوظائف العبادات ، من غير إفراط وتفريط مفوّت للحقوق ونحوها. وهي في غاية العسر ، ولذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شيّبتني سورة هود» ، كما نقل عن ابن عبّاس أنّه قال : ما نزلت آية كانت أشدّ ولا أشقّ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من هذه الآية. ولهذا قال : «شيّبتني سورة هود والواقعة وأخواتهما».
وروي أنّ بعض أصحابه قال : «قد أسرع فيك الشيب. فقال : شيّبتني سورة هود. فقال : ما الّذي شيّبك منها ، أقصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال : لا ، ولكن قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ).
وعن الصادق عليهالسلام : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) معناه : افتقر إلى الله بصحّة العزم» (١).
(وَمَنْ تابَ مَعَكَ) عطف على المستكن في «استقم» وإن لم يؤكّد بمنفصل ، لقيام الفاصل مقامه. والمعنى : فاستقم أنت ليستقم من تاب من الشرك
__________________
(١) رواه في الكشّاف ٢ : ٤٣٣.