أو شرّا (وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) فإنّه تعالى لا يخفى عنهم كما رأيتم وتبيّن لكم.
وإنّما أدخل السين لأنّ ما لم يحدث لا تتعلّق به الرؤية ، فكأنّه قال : كلّ ما تعملونه يراه الله تعالى. وقيل : أراد بالمؤمنين الشهداء. وقيل : الملائكة الّذين هم الحفظة الّذين يكتبون الأعمال. وروى أصحابنا أنّ أعمال الأمّة تعرض على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في كلّ اثنين وخميس فيعرفها ، وكذلك تعرض على أئمّة الهدى عليهمالسلام القائمين مقامه فيعرفونها ، وهم المعنيّون بقوله : «والمؤمنون». (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) بالموت (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمجازاة عليه.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦))
روي أنّ كعب بن مالك وهلال بن أميّة ومرارة بن الربيع ـ وهم من الأوس والخزرج ـ لمّا انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليهم من تبوك ، أتوا عنده وقالوا : يا رسول الله ما لنا من عذر ، ولم نعتذر إليك بالكذب ، وإنّما تخلّفنا توانيا عن الاستعداد حتّى فاتنا المسير. فقال : صدقتم قوموا حتّى يقضي الله حكمه. فنهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مكالمتهم ، وأمر نساءهم باعتزالهم ، حتّى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فأقاموا على ذلك خمسين ليلة ، وبنى كعب خيمة على سلع (١) يكون فيها وحده.
فنزلت فيهم : (وَآخَرُونَ) من المتخلّفين (مُرْجَوْنَ) مؤخّرون ، أي : موقوف أمرهم ، من : أرجأته إذا أخّرته. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص : مرجون بالواو. وهما لغتان (٢). (لِأَمْرِ اللهِ) في شأنهم (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن بقوا على الإصرار على النفاق
__________________
(١) السلع : جبل بالمدينة.
(٢) أي : قراءة مرجئون بالهمز ومرجون.