(وَحاقَ بِهِمْ) وأحاط بهم. وإنّما وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة في التهديد. (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : العذاب الّذي كانوا به يستعجلون. فوضع «يستهزءون» موضع : يستعجلون ، لأنّ استعجالهم كان استهزاء.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١))
ثمّ بيّن سبحانه حال الإنسان فيما قابل به نعمه من الكفران ، فقال : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذّتها (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) ثمّ سلبنا تلك النعمة منه (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) قطوع رجاءه من فضل الله تعالى أن يعود إليه تلك النعمة المنزوعة ، لقلّة صبره وعدم ثقته به (كَفُورٌ) مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة.
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) كصحّة بعد سقم ، وغنى بعد فقر. وفي إسناد إذاقة النعماء إليه تعالى في قوله : «أذقناه» دون الضرّاء في قوله «مسّته» إيماء إلى أنّ النعمة من جانبه تعالى مقصود أصليّ له ، والضرّاء كداء ساقه إليهم سوء أفعالهم.
(لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أي : المصائب الّتي ساءتني (إِنَّهُ لَفَرِحٌ) بطر بالنعم مغترّ بها (فَخُورٌ) على الناس بما أنعم الله عليه ، مشغول عن الشكر والقيام بحقّها. وفي لفظ الإذاقة والمسّ تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالأنموذج لما يجده في الآخرة ، وأنّه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء ،