(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
ثمّ خاطب الله جميع الخلق ، وأكّد خطابه بالقسم ، فقال : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من جنسكم من البشر ، ثمّ من العرب ، ثمّ من بني إسماعيل. وقيل : الخطاب للعرب ، وليس في العرب قبيلة إلّا وقد ولدت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وله فيهم نسب.
(عَزِيزٌ عَلَيْهِ) شديد شاقّ (ما عَنِتُّمْ) عنتكم ومشقّتكم ولقاؤكم المكروه ، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب بترك الإيمان (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) على إيمانكم وصلاح شأنكم ، حتّى لا يخرج أحد منكم من الاستسعاد به وبدينه الّذي جاء به (بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم ومن غيركم (رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قدّم الأبلغ منهما وهو الرؤوف ، لأنّ الرّأفة شدّة الرحمة ، محافظة على الفواصل.
قال بعض السلف : لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلّا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه قال : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، وقال : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان بك (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) فاستعن بالله وفوّض إليه أمرك ، فإنّه يكفيك معرّتهم (٢) ، ويعينك عليهم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كالدليل عليه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) فلا أرجو ولا أخاف إلّا منه (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) الملك العظيم ، أو الجسم العظيم الّذي تنزل منه الأحكام والمقادير.
قيل : إنّ هذه الآية آخر آية نزلت من السماء. وآخر سورة كاملة نزلت سورة براءة.
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) المعرّة : الأذى والمساءة والإثم.