(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) أي : تعظيم السبت ، أو التخلّي فيه للعبادة (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي : في نبيّهم. وهم اليهود ، أمرهم موسى عليهالسلام أن يتفرّغوا للعبادة يوم الجمعة ، فأبوا عن ذلك وقالوا : نريد يوم السبت ، لأنّه فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض ، فألزمهم الله السبت ، وشدّد الأمر عليهم ، إلّا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة ، فأذن الله لهم الصيد في السبت ، وابتلى المسبتين بتحريم الصيد فيه.
وقيل : معناه : إنّما جعل وبال السبت ـ وهو المسخ ـ على الّذين اختلفوا فيه ، فأحلّوا الصيد فيه تارة وحرّموه اخرى ، واحتالوا له الحيل ، وكان الواجب عليهم أن يتّفقوا في تحريمه على كلمة واحدة ، بعد ما حتّم الله عليهم الصبر عن الصيد فيه وتعظيمه. وعلى هذا ، المعنيّ في ذكر ذلك نحو المعنيّ في ضرب القرية الّتي كفرت (١) بأنعم الله مثلا لمزيد تهديد المشركين.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بالمجازاة على الاختلاف ، أو بمجازاة كلّ فريق من الآبين والمعظّمين بما يستحقّه.
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥))
ثمّ أمر سبحانه نبيّه بالدعاء إلى الحقّ ، فقال : (ادْعُ) من بعثت إليهم (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) إلى دين ربّك ، وهو الإسلام (بِالْحِكْمَةِ) بالمقالة المحكمة. وهو الدليل الموضح للحقّ ، المزيح للشبهة. (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) الخطابات المقنعة والعبر النافعة. فالأولى لدعوة خواصّ الأمّة الطالبين للحقائق ، والثانية لدعوة عوامهم.
__________________
(١) النحل : ١١٢.