(فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) وفّقهم للإيمان بإرشادهم ، لاسترشادهم. أو هداهم الله إلى طريق الجنّة. (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي : من أعرض عمّا دعا إليه الرسول عنادا وانهماكا في الجحود ، مع وضوح الحقّ عليه ، فخذله وخلّاه ، فثبتت عليه الضلالة ولزمته. أو حقّت عليه عقوبة الضلالة. فسمّى الله العقاب ضلالا ، كقوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١).
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أرض المكذّبين يا معشر قريش إن لم تصدّقوني (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) من عاد وثمود وغيرهم ، لعلّكم تعتبرون كيف حقّت عليهم العقوبة وحلّت بهم ، حتّى لا يبقى لكم شبهة في أنّي لا أقدّر الشرّ ولا الإساءة حيث أفعل بالأشرار.
(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧))
ثمّ ذكر عناد قريش وحرص رسول الله على إيمانهم ، فقال : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) على أن يؤمنوا بك (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لا يوفّق (مَنْ يُضِلُ) ولا يلطف بمن يخذل ، أي : يريد ضلاله ويخلّيه ، لانهماكه في الكفر وتصميمه على العناد ، لأنّ اللطف في حقّه عبث ، والله متعال عن العبث ، لأنّه من قبيل القبائح الّتي لا تجوز عليه. وقرأ غير الكوفيّين : لا يهدى ، على البناء للمفعول. وهو أبلغ.
(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) من ينصرهم بدفع العذاب عنهم. وهذا دليل على أنّ المراد بالضلال الخذلان الّذي هو نقيض النصرة.
__________________
(١) القمر : ٤٧.