(لا جَرَمَ) قال الزجّاج : «لا» نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم ، فكأنّ المعنى : لا ينفعهم ذلك. و «جرم» بمعنى : حقّ وثبت. (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) بحيث لا أحد أبين وأكثر خسرانا منهم. وقال غير الزجّاج : معناه : لا بدّ ولا محالة أنّهم.
وقيل : معناه : حقّا. ويستعمل في أمر يقطع عليه ولا يرتاب فيه ، أي : لا شكّ أنّ هؤلاء الكفّار هم أخسر الناس في الآخرة.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))
ولمّا تقدّم ذكر الكفّار وما أعدّ لهم من العذاب ، عقّبه سبحانه بذكر المؤمنين ، إجراء على عادته تعالى أنّه يذكر الوعد مع الوعيد وبالعكس ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) اطمأنّوا إليه ، وخشعوا له وانقطعوا إلى عبادته ، من الخبت ، وهي الأرض المطمئنّة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون.
ثمّ ضرب مثلا للكافر والمؤمن بقوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) الكافر والمؤمن (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) فشبّه فريق الكفّار بالأعمى والأصمّ ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع. وهو من اللفّ والطباق. وفيه وجهان :
أحدهما : تشبيه الكافر بالأعمى ، لتعاميه عن آيات الله تعالى ، وبالأصمّ لتصامّه عن استماع كلام الله تعالى ، وتأبيّه عن تدبّر معانيه ، وتشبيه المؤمن بالبصير والسميع ، لأنّ أمره بالضدّ. فيكون كلّ منهما مشبّهين باثنين باعتبار وصفين. وثانيهما : أن يشبّه الكافر بالجامع بين العمى والصمم ، والمؤمن بين ضدّيهما.