أنّهم كافرون بالآخرة. وتكرير «هم» لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.
(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : ما كانوا معجزين الله تعالى في الدنيا أن يعاقبهم ، بأن يفوتوا منه هربا إذا أراد إهلاكهم ، كما يهرب الهارب من عدوّ وقد جدّ في طلبه. وإنّما خصّ الأرض بالذكر وإن كانوا لا يفوتون الله ولا يخرجون عن قبضته على كلّ حال ، لأنّ معاقل الأرض هي الّتي يهرب إليها البشر ، فكأنّه سبحانه نفى أن يكون لهؤلاء الكفّار عاصم عنه ومانع من عذابه.
(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) بأن يتولّوهم فينصروهم ويمنعوهم من العذاب ، ولكنّه سبحانه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ وأدوم.
(يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) استئناف. وقرأ ابن كثير ويعقوب وابن عامر : يضعّف بالتشديد. ومعناه : أنّه لا يقتصر بهم على عذاب الكفر ، بل يعاقبون عليه وعلى سائر المعاصي ، كما قال في موضع آخر : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (١). أو كلّما مضى ضرب من العذاب يعقبه ضرب آخر منه مثله أو فوقه ، كذلك دائما مؤبّدا ، وكلّ ذلك على قدر الاستحقاق.
(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) لفرط تصامّهم عن استماع الحقّ وبغضهم له ، كأنّهم لا يستطيعون السمع (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) لفرط تعاميهم عن آيات الله ، وكأنّه العلّة لمضاعفة العذاب. وقيل : هو بيان ما نفاه من ولاية الآلهة بقوله : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) فإنّ ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية. وقوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) اعتراض.
(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة وشفاعتها ، أو خسروا بما بدّلوا ، وضاع عنهم ما حصّلوا ، فلم يبق معهم سوى الندامة والحسرة.
__________________
(١) النحل : ٨٨.