بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))
ولمّا تقدّم ذكر الجزاء بيّن سبحانه وقت الجزاء ، فقال : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) نجمع الخلائق أجمعين من كلّ أوب إلى الموقف (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما يفعل بكم (أَنْتُمْ) تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله ، لأنّه سدّ مسدّ : الزموا (وَشُرَكاؤُكُمْ) عطف عليه (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) ففرّقنا بينهم ، وقطّعنا الوصل الّتي كانت بينهم (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم ، فإنّهم عبدوا في الحقيقة أهواءهم ، لأنّها الآمرة بالإشراك لا ما أشركوا به.
وقيل : ينطق الله الأصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة الّتي توقّعوا منها.
وقيل : المراد بالشركاء الملائكة والمسيح. وقيل : الشياطين.
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) فإنّه العالم بكنه الحال (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) «إن» هي المخفّفة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة.
(هُنالِكَ) في ذلك المقام (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) تختبر ما قدّمت من عمل ، فتعاين نفعه وضرّه ، مقبوله ومردوده ، ومنه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (١). وقرأ حمزة والكسائي : تتلو ، من التلاوة ، أي : تقرأ ذكر ما قدّمت ، أو من التلو ، أي : تتبع عملها فيقودها إلى الجنّة أو إلى النّار. (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) إلى جزائه إيّاهم بما اسلفوا (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ربّهم الثابتة ربوبيّته ، ومتولّي أمورهم على الحقيقة ، لا ما اتّخذوه مولى. أو الّذي يتولّى حسابهم ، العدل الّذي لا يجوز. (وَضَلَّ عَنْهُمْ) وضاع عنهم
__________________
(١) الطارق : ٩.