يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠))
ثمّ ذكر سبحانه فعلا آخر من أفعال المشركين دالّا على جهلهم ، فقال : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ) أي : لآلهتهم الّتي لا علم لها ، لأنّها جماد ، فيكون الضمير لـ «ما». أو الّتي لا يعلمونها ، فيعتقدون فيها جهالات ، مثل أنّها تنفعهم وتشفع لهم عند الله ، وليس كذلك ، فإنّ حقيقتها أنّها جماد لا يضرّ ولا ينفع ، فهم إذا جاهلون بها ، على أنّ العائد إلى «ما» محذوف. أو لجهلهم ، على أنّ «ما» مصدريّة ، والمجعول له محذوف للعلم به. (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من زروعهم وأنعامهم ، وهي لا تشعر بذلك.
ثمّ أوعدهم الله بذلك ، فقال تأكيدا للوعيد : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) في الآخرة (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) تكذبون في الدنيا من أنّها آلهة حقيقة بالتقرّب إليها.
ثمّ ذكر سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) الضمير لخزاعة وكنانة ، فإنّهم كانوا يقولون : الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) تنزيه له من قولهم أو تعجّب منه (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) يعني : البنين. ويجوز في «ما يشتهون» الرفع بالابتداء ، أو النصب بالعطف على البنات ، على أنّ الجعل بمعنى الاختيار. وهو وإن أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد ، لكنّه لا يبعد تجويزه في المعطوف.
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) أخبر بولادتها (ظَلَّ وَجْهُهُ) صار ، أو دام النهار كلّه (مُسْوَدًّا) من الكآبة والحزن والحياء من الناس. واسوداد الوجه كناية عن شدّة الاغتمام. (وَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء غيظا على المرأة.
(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) يستخفي منهم (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) من سوء