وقرأ حمزة والكسائي : يلحدون بفتح الياء والحاء. يقال : ألحد القبر ولحّده وهو ملحد وملحود ، إذا أمال حفره عن الاستقامة ، فحفر في شقّ منه. ثمّ استعير لكلّ إمالة عن استقامة ، فقالوا : ألحد فلان في قوله ، وألحد في دينه. ومنه الملحد ، لأنّه أمال مذهبه عن الأديان كلّها ، لم يمله عن دين إلى دين.
والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم. وتقريره من وجهين :
أحدهما : أنّ ما سمعه منه كلام أعجميّ لا يفهمه هو ولا أنتم ، والقرآن عربيّ تفهمونه بأدنى تأمّل ، فكيف يكون ما تلقّفه منه؟! وثانيهما : هب أنّه تعلّم منه المعنى باستماع كلامه ، لكن لم يتلقّف منه اللفظ ، لأنّ ذلك أعجميّ ، وهذا عربيّ ، والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى ، فهو معجز من حيث اللفظ. مع أنّ العلوم الكثيرة الّتي في القرآن لا يمكن تعلّمها إلّا بملازمة معلّم فائق في تلك العلوم مدّة متطاولة ، فكيف تعلّم جميع ذلك من غلام سوقيّ ، سمع منه بعض أوقات مروره عليه كليمات أعجميّة ، لعلّهما لم يعرفا معناها؟! وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة الواهية دليل على غاية عجزهم. كذا قال صاحب الأنوار (١).
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥) مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))
__________________
(١) أنوار التنزيل ٣ : ١٩٢.