ثمّ أتبع سبحانه هذه الآية بذكر الوعيد للكفّار على ما قالوه ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدّقون (بِآياتِ اللهِ) بأنّها من عند الله (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) إلى الحقّ ، أي : لا يلطف بهم ، بل يخذلهم ، لأنّهم أهل التخلية والخذلان ، لفرط عنادهم ومكابرتهم ، مع أنّ حقّية القرآن واضح لديهم. وقيل : إلى الجنّة. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.
ولمّا أماط شبهتهم ، وردّ طعنهم ، قلب الأمر عليهم ، فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) لأنّهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه (وَأُولئِكَ) إشارة إلى الّذين كفروا ، أو إلى قريش (هُمُ الْكاذِبُونَ) أي : الكاذبون على لحقيقة. أو الكاملون في الكذب ، لأنّ تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب. أو الّذين عادتهم الكذب ، ولا يبالون به في كلّ شيء ، ولا يصرفهم عنه دين ولا مروءة. أو الكاذبون في قولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) «إنّما يعلّمه بشر».
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) بدل من (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وما بينهما اعتراض. والمعنى : إنّما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه. واستثنى منهم المكره. أو من «أولئك» أو من «هم الكاذبون». أو مبتدأ خبره محذوف ، دلّ عليه قوله : «فعليهم غضب». كأنّه قيل : من كفر بالله فعليهم غضب إلّا من أكره ... إلخ.
ويجوز أن ينتصب بالذمّ ، وأن تكون «من» شرطيّة محذوفة الجواب.
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على الافتراء أو كلمة الكفر. استثناء متّصل ، لأنّ الكفر لغة يعمّ القول والعقد ، كالإيمان (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) لم تتغيّر عقيدته.
(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) اعتقده وطاب به نفسا (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) إذ لا شيء أعظم من جرمه.
روي : أنّ ناسا من أهل مكّة فتنوا فارتدّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان ، منهم عمّار ،