واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف ، وأوقع الإذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له ، وهو ما غشيهم.
قال صاحب الكشّاف : «أمّا الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة ، لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها ، فيقولون : ذاق فلان البؤس والضرّ وأذاقه العذاب ، شبّه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المرّ والبشع. وأمّا اللباس ، فقد شبّه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث. وأمّا إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف ، فلأنّه لمّا وقع عبارة عمّا يغشى منهما ويلابس فكأنّه قيل : فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف» (١).
(بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) بصنيعهم.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) يعني : محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم. والضمير لأهل مكّة ، عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم. (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) أي : حال التباسهم بالظلم والعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد سبع سنين ، حتى أكلوا القدّ (٢) والعلهز ، وهو الوبر يخلط بالدم ويؤكل ، ومع ذلك كانوا خائفين من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه ، وذلك حين دعا عليهم فقال : اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليهم سنين كسنيّ يوسف. أو وقعة بدر.
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٦٣٩.
(٢) القدّ : جلد السخلة.