التوكّل ، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوّليّا ، وأمروها به ، كأنّهم قالوا : ومن حقّنا أن نتوكّل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم ، ولهذا قالوا بعد ذلك : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي : أيّ عذر لنا في أن لا نتوكّل عليه (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) وقد فعل بنا ما يوجب توكّلنا عليه ، وهو التوفيق لهداية كلّ واحد منّا إلى السبيل الّذي يجب عليه سلوكه في الدين. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف هاهنا وفي العنكبوت (١).
(وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) جواب قسم محذوف ، أكّدوا توكّلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفّار عليهم (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فليثبت المتوكّلون على ما استحدثوه من توكّلهم المسبّب عن إيمانهم. فالمراد بالتوكّل الأوّل استحداثه ، وبالثاني التوكّل عليه.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) حلفوا
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.