على أنّه لا بدّ من أحد الأمرين : إمّا إخراجهم للرسل من بلادهم ، أو عودهم إلى ملّتهم. والعود هاهنا بمعنى الصيرورة ، لأنّهم لم يكونوا على ملّتهم قطّ. ويجوز أن يكون الخطاب لكلّ رسول ولمن آمن معه ، فغلّبوا الجماعة على الواحد.
(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) إلى رسلهم (رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) على إضمار القول ، أو إجراء الإيحاء مجراه ، لأنّه نوع منه.
(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : أرضهم وديارهم ، كقوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) (١). وفي الحديث : «من آذى جاره ورّثه الله داره».
(ذلِكَ) إشارة إلى الموحى به ، وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين (لِمَنْ خافَ مَقامِي) موقفي ، وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة. أو قيامي عليه ، وحفظي لأعماله. وقيل : المقام مقحم.
(وَخافَ وَعِيدِ) أي : وعيدي بالعذاب ، أو عذابي الموعود للكفّار.
(وَاسْتَفْتَحُوا) سألوا من الله الفتح على أعدائهم ، أو القضاء بينهم وبين أعاديهم ، من الفتاحة ، كقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) (٢). وهو معطوف على «فأوحى». والضمير للأنبياء. وقيل : للكفرة ، ظنّا منهم بأنّهم على الحقّ والرسل على الباطل. وقيل : للفريقين ، فإنّ كلّهم سألوه أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل.
(وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي : ففتح لهم فأفلح المؤمنون ، وخاب كلّ جبّار عات متكبّر على الله عزوجل معاند للحقّ فلم يفلح.
(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي : من بين يدي هذا الجبّار ، فإنّه مرصد بها ، واقف على
__________________
(١) الأعراف : ١٣٧.
(٢) الأعراف : ٨٩.