ثمّ أمر سبحانه بالقتال والثبات في الحرب ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي : إذا حاربتم جماعة كافرة. ولم يصفها ، لأنّ المؤمنين ما كانوا يحاربون إلّا الكفّار. واللقاء ممّا غلب استعماله في القتال. (فَاثْبُتُوا) للقائهم ، ولا تفرّوا.
(وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) في مواطن القتال ، مستعينين به ، مستظهرين بذكره ، مترقّبين لنصره ، داعين له على عدوّكم ، بأن تقولوا : اللهمّ اخذلهم ، اللهمّ اقطع دابرهم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة.
وفيه تنبيه على أنّ العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله تعالى ، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ، ويقبل عليه بشراشره (١) فارغ البال ، واثقا بأنّ لطفه لا ينفكّ عنه في شيء من الأحوال.
وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أيّام صفّين ، وفي مشاهده مع البغاة والخوارج ـ من البلاغة والبيان ، ولطائف المعاني ، وبليغات المواعظ والنصائح ـ دليلا على أنّهم كانوا لا يشغلهم عن ذكر الله شاغل وإن تفاقم الأمر.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) لا تتنازعوا فيما بينكم باختلاف الآراء ، كما فعلتم ببدر أو أحد (فَتَفْشَلُوا) فتجبنوا ، وتضعفوا عن قتال عدوّكم. هذا جواب النهي منصوب بإضمار «أن». (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) والريح مستعارة للدولة ، شبّهت في تمشّي أمرها ونفاذه بهبوب الريح ونفوذها. فقيل : هبّت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره ، وركدت ريحه إذا أدبر أمره.
__________________
(١) الشراشر : النفس وجميع الجسد.