وقيل : المراد بها الحقيقة ، فإنّ النصرة لا تكون إلّا بريح يبعثها الله تعالى. وفي الحديث : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور».
(وَاصْبِرُوا) على قتال الأعداء (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالحفظ والنصر.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني : أهل مكّة حين خرجوا منها لحماية العير (بَطَراً) للبطر والطرب والفخر ، أو بطرين طربين متفاخرين (وَرِئاءَ النَّاسِ) ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة. وذلك أنّهم لمّا بلغوا الجحفة وافاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم. فقال أبو جهل : لا والله حتّى تقدم بدرا ، ونشرب بها الخمور ، وتعزف علينا القيان (١) ، ونطعم بها من حضرنا من العرب.
فوافوها فسقوا كأس المنايا ، وناحت عليهم النوائح مكان غناء القيان. فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين ، وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى وإخلاص ، من حيث إنّ النهي عن الشيء أمر بضدّه.
(وَيَصُدُّونَ) ويمنعون غيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) معطوف على «بطرا» إن جعل مصدرا في موضع الحال. وكذا إن جعل مفعولا له ، لكن على تأويل المصدر.
(وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) عالم بأعمالكم ، فيجازيكم على وفقها.
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) أي : اذكر وقت تزيين الشيطان (أَعْمالَهُمْ) في معاداة الرسول وغيرها (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) لا يغلبكم أحد من الناس ، لكثرة عددكم وقوّتكم. و «لكم» خبر «لا غالب» أو صفته ، تقديره : لا غالب كائن لكم. وليس مفعوله ، وإلّا لانتصب ، فقيل : لا غالبا لكم ، بمعنى : لا غالبا إيّاكم ، كقولك : لا ضاربا زيدا عندنا.
(وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي : ناصركم ودافع عنكم السوء. وهذه وسوسة نفسانيّة.
والمعنى : أنّه ألقى في خاطرهم وخيّل إليهم أنّهم لا يغلبون ولا يطاقون ، لكثرة
__________________
(١) القيان جمع القينة ، وهي المغنيّة.