الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
ولمّا نهى الله سبحانه عن عبادة الأصنام ، وأمر بعبادة الله وحده ، عقّبه بما كان عليه إبراهيم عليهالسلام من التشدّد في إنكار عبادة الأصنام ، والدعاء بما دعا به ، فقال عطفا على الجمل السابقة : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) بلدة مكّة (آمِناً) ذا أمن لمن فيها. والفرق بين قوله : اجعل هذا بلدا آمنا ، وبين قوله : اجعل هذا البلد آمنا ، أنّ المسؤل في الأوّل جعله من جملة البلاد الّتي يأمن أهلها ولا يخافون ، وفي الثاني إخراجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدّها من الأمن ، كأنّه قال : هو بلد مخوف ، فاجعله آمنا. فاستجاب الله دعاء إبراهيم عليهالسلام ، حتّى كان الإنسان يرى قاتل أبيه فيها فلا يتعرّض له ، وتدنو الوحوش فيها من الناس فتأمن منهم.
(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ) بعّدني وإيّاهم (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي : ثبّتني وبنيّ على اجتناب عبادة الأوثان. والمعنى : الطف لي ولبنيّ لطفا نتجنّب به عن عبادة الأصنام إلى آخر العمر. وأراد بنيه من صلبه ، كما هو المتبادر ، فلا يتناول أحفاده وجميع ذرّيّته. وفيه دليل على أنّ عصمة الأنبياء بتوفيق الله وحفظه إيّاهم.
وزعم ابن عيينة أنّ أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم ، محتجّا به ، وإنّما كانت لهم حجارة يدورون بها ، ويسمّونها الدوار ـ بتخفيف الواو وتشديدها ـ ويقولون : البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته.
قيل : إنّ إبراهيم عليهالسلام لمّا فرغ من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء ثمّ قال : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) فلذلك سألت منك العصمة ، واستعذت بك من إضلالهنّ. وإسناد الإضلال إليهنّ باعتبار السببيّة ، كقوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ