يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسّكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله ، أم تغترّون بكثرة قريش وشوكتهم ، وقلّة المؤمنين وضعفهم؟ وقيل : الضمير لـ «أربى».
وقيل : للأمر بالوفاء. وتحقيقه أنّه يعاملكم معاملة المختبر ليميّز المحقّ من المبطل ليقع الجزاء بحسب العمل.
ولمّا كان بناء الإثابة والتعذيب على التكليف الّذي مداره الاختيار لا الإجبار ، قال بعد ذلك : (وَلَيُبَيِّنَنَ) وليظهرنّ (لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) متّفقة على الإسلام قسرا وجبرا (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يخذله في الضلالة ويخلّيه فيها ، لعلمه بفرط كفره ، وانهماكه في عناده ، وتوغّله في إنكاره ، مع وضوح طريق الحقّ لديه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يوفّقه طريق الاهتداء ، لعلمه باسترشاده واستصوابه ، فإنّه بنى الأمر على الاختيار ، وعلى ما يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار ، وحقّق ذلك بقوله : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سؤال تبكيت ومجازاة.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))