(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))
ثمّ أمر سبحانه عباده بطاعة رسوله ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) بالطاعة والامتثال (إِذا دَعاكُمْ) وحّد الضمير فيه لما سبق ، ولأنّ دعوة الله تسمع من الرسول (لِما يُحْيِيكُمْ) من العلوم الدينيّة والأحكام الشرعيّة ، فإنّها حياة القلب ، والجهل موته ، قال :
لا تعجبنّ الجهول حلّته |
|
فذاك ميت وثوبه كفن |
أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة في النعيم الدائم ، من العقائد الحسنة المرضيّة والأعمال السنيّة. أو من الجهاد ، فإنّه سبب بقاء المؤمنين ، إذ لو تركوه لغلبهم العدوّ وقتلهم. أو الشهادة ، لقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١).
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) تمثيل لغاية قربه من العبد ، كقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢) ، فإنّ الحائل بين الشيء وغيره أقرب إلى ذلك الشيء من ذلك الغير. وتنبيه على أنّه مطّلع على مكنونات القلوب وضمائرها ، ممّا عسى يغفل عنه صاحبها ، فكأنّه بينه وبين قلبه.
أو حثّ على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله تعالى بينه وبين قلبه بالموت أو غيره ، فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة.
أو تصوير وتخييل لتملّكه على العبد قلبه ، فيفسخ عزائمه ، ويغيّر مقاصده ،
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.
(٢) ق : ١٦.