(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
ثمّ قال يوسف لمّا عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهنّ : (ذلِكَ) أي : ذلك الّذي فعلت من التأنّي في السجن ، وعدم سرعة الإجابة إلى الخروج منه ، وردّ رسول الملك إليه في شأن النسوة (لِيَعْلَمَ) العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) بظهر الغيب. وهو حال من الفاعل أو المفعول ، أي : لم أخنه وأنا غائب عنه ، أو وهو غائب عنّي. أو ظرف ، أي : بمكان الغيب ، وهو الخفاء والاستتار وراء الأستار والأبواب المغلقة. (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) لا ينفذه ولا يسدّده. أو لا يهدي الخائنين بكيدهم ، فأوقع الفعل على الكيد مبالغة.
وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها ، وتوكيد لأمانته ، وأنّه لو كان خائنا لما هدى الله كيده ولا سدّده.
ثمّ أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه ، لئلّا يكون لها مزكّيا ، وبحالها في الأمانة معجبا ومفتخرا ، كما
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» ، وليبيّن أنّ ما فيه من الأمانة ليس به وحده ، وإنّما هو بتوفيق الله ولطفه وعصمته ، فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ولا أنزّهها (إِنَّ النَّفْسَ) أراد جنس النفس (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) من حيث إنّها بالطبع مائلة إلى الشهوات ، فتهمّ بها ، وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كلّ الأوقات. وعن ابن كثير ونافع : بالسوّ ، على قلب الهمزة واوا ثمّ الإدغام. (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) إلّا وقت رحمة ربّي ، أو إلّا ما رحمهالله تعالى من النفوس ، فعصمه من تلك التهم.