(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
ولمّا أمر الله سبحانه بالطاعة وترك الخيانة ، بيّن بعده ما أعدّه لمن امتثل أمره في الدنيا والآخرة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) إن تتّقوا عقابه باتّقاء معاصيه وأداء فرائضه (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) هداية ونورا في قلوبكم ، وشرحا في صدوركم بوسيلة التوفيق واللطف ، تفرّقون به بين الحقّ والباطل. أو نصرا وفتحا ، كقوله تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ) (١) لأنّه يفرّق بين المحقّ والمبطل ، بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين. أو مخرجا من الشبهات. أو نجاة عمّا تحذرون في الدارين. أو ظهورا يشهّر أمركم في أقطار الأرض ويبثّ صيتكم ، من قوله : بتّ أفعل كذا حتّى سطع الفرقان ، أي : الصبح.
(وَيُكَفِّرْ) ويستر (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم بالتجاوز والعفو عنها. قيل : السيّئات الصغائر ، والذنوب الكبائر. وقيل : المراد ما تقدّم وما تأخّر ، لأنّها في أهل بدر ، وقد غفرهما الله تعالى لهم.
(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على خلقه بما أنعم عليهم في الدنيا من أنواع النعم من غير سبق استحقاق منهم ، وفي الآخرة بما زاد على قدر استحقاقهم.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠))
روي أنّ قريشا ـ لمّا أسلمت الأنصار وبايعوه ـ خافوا أن يعلو أمره ويعظم
__________________
(١) الأنفال : ٤١.