شأنه ، فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ ، وقال : أنا شيخ من نجد ، ما أنا من تهامة ، دخلت مكّة فسمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا منّي رأيا ونصحا.
فقال أبو البختري : رأيي أن تحبسوه في بيت ، وتشدّوا وثاقه ، وتسدّوا بابه غير كوّة ، تلقون إليه طعامه وشرابه منها ، وتتربّصوا به ريب المنون.
فقال إبليس : بئس الرأي ، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلّصه من أيديكم.
فقال هشام بن عمرو : رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم ، فلا يضرّكم ما صنع واسترحتم.
فقال إبليس : بئس الرأي ، يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم.
فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كلّ بطن غلاما ، وتعطوه سيفا صارما ، فيضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرّق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلّهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا.
فقال الشيخ : هذا الفتى هو أجودكم رأيا.
فتفرّقوا على رأي أبي جهل مجتمعين على قتله. فأخبر جبرئيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، وأمره بالهجرة وأن يبيّت في مضجعه عليّا ، فنام في مضجعه ، وقال له : اتّشح ببردتي ، فإنّه لن يصل إليك أمر تكرهه ، وخرج مع أبي بكر إلى الغار.
وباتوا مترصّدين ، فلمّا أصبحوا ساروا إلى مضجعه فأبصروا عليّا فبهتوا ، وخيّب الله سعيهم ، واقتصّوا أثره ، وأرسلوا في طلبه ، فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو كان ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاثا ، ثمّ قدم المدينة ، فأبطل الله تعالى مكرهم.
فذكّر عزوجل ها هنا رسوله إنجاءه إيّاه من مكرهم حين كان بمكّة ، ليشكر الله على خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم ، فقال : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : اذكر إذ يحتال كفّار قريش في إبطال أمرك ، ويدبّرون في هلاكك (لِيُثْبِتُوكَ) بالوثاق أو الحبس أو الإثخان بالجرح ، من قولهم : ضربه حتّى أثبته لا حراك به ولا